خرج من قاعة الامتحان مغاضبا ، يتأفف ، عيناه تدوران في حيرة ، لم تسعفه الكلمات حينئذ ، كان يتمتم بكلمات غير واضحة ، ولكنها تبدو وكأنها كلمات تذمر وشكوى وضيق ، لم يستطع تمالك نفسه . ضرب بقبضة يده الحائط المجاور له، وعندما وقع نظره على كتاب مادة الامتحان ، جذبه اليه ثم قام يمزقه ، رمى به على الارض وشرع يدوسه بقدمه بعنف وقسوة ، ثم ركله عدة ركلات قوية ، وانقض عليه مثل نمر مفترس ، وأكمل تمزيقه ، كان حانقا . نظر الى من يحيط به نظرة سريعة و رأى الاستهجان في أعينهم ، كان يلهث ويشهق شهقات خفيفة ،واستمر بالنظر الى من يحيط به وكأنه بعد التنفيس عن غضبه استيقظ من حلم مزعج أو من غيبوبة طويلة .
خرج الى الساحة أمام المبنى ثم جلس على الدرجات ، لم يعر انتباها لأحد من حوله ، حدق في الأرض لم يراوده أي شعور يذكر ، ذهب الغضب وزالت الثورة.
كان يشغل تفكيره ما قام به من فعل أخجله . جلس مع نفسه وعاد في ذاكرته الى اسبوع من الآن . قال يخاطب نفسه معاتبا : يا الله! لقد كان معك اسبوع كامل ، ولكنك فضلت الخروج مع الاصدقاء والتنزه ، واللهو ومتابعة الافلام والمسلسلات ، وشغلك كل شئ عن الدراسة ، لقد كان بامكانك استثمار كل دقيقة في ذلك الوقت الضائع لدراسة فصل أو حتى صفحة .
سكت برهة وكان يتنفس بسرعة واضحة . .. ثم قال في نفسه : ولكنني كنت أفهمها بشكل لا بأس به أثناء الشرح عند حضوري تلك المحاضرات . مط شفتيه وقال بشئ من الحزم : آه أظن ان هذا لا يكفي ، يجب أن اتبع هذا الفهم بالمراجعة والجد والاعادة والمثابرة .
ثم استدرك : ولكني لا أحب هذه المادة أبدا ولا أطيقها ! سكت وتنهد ، ثم قطب حاجبيه وقال : ولكن يمكن أن يكون عدم حبي لها واهمالها هو الحائل بيني وبين التميز فيها . همهم وقال : حسنا يجب ان اتصالح مع هذه المادة ، واعطي لها عنايتي وتفكيري ووقتي ، لمعرفة اسباب ضعفي فيها ، ولتحويل هذا الفشل الى نجاح … ثم قال بشئ من اليأس :ولكن ما الذي سيجعلني التزم بهذه المادة وادرسها وأحبها؟
حدق لفترة في العصافير على الشجرة المجاورة له ، ثم لمع في ذهنه اية سمعها من مذياع الحافلة التي تقله الى الجامعة . ” أنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب” . وقال بتصميم : ساصبر على هذه المادة صبر ايوب ، بدت علامات التفاؤل على محياه ، وقال : فبدلا من ان العن الظلام علي ان اوقد شمعة تضئ لي دربي ودرب غيري ان استطعت .
ساواجه عيوبي وضعفي وساحاول تغييره الى الافضل ، يجب ان اتفوق على نفسي في الامتحان القادم ان شاء الله. ولكن يجب ان استوعب المادة وافهمها جيدا واحفظ ما فيها بشكل كامل ودقيق ، فان الله لا يقبل الا طيبا.
وحتى وان لم أحصل على العلامة التي اريدها فان الله لن يضيع لي تعبا ، وسيزيد لي في اجري ومنزلتي فانا طالب علم ويجب ان أتصرف على هذا الاساس.
سابدا بالدراسة غدا ان شاء الله، تامل حوله قليلا ، ثم قال : خير البر عاجله، وقام من مكانه بهمة وقال بصوت مسموع : لا بل سأبدا من الان .
مشى بضع خطوات ، ثم ضرب مقدمة راسه بكفه ، وهز رأسه وابتسم ، ثم اتجه نحو المكتبة ليبتاع كتاب المادة التي تصالح معها.