اشرقت الشمس وبددت بنورها ظلام الليل الحالك ودبت الحياه والدفء في الناس والحيوان والنبات وطفق الكل يبحث عن رزقه ومعاشه ولكنه لم يلاحظ.
تبخرت المياه من البحار والانهر والبحيرات والمستنقعات وجف كل رطب وارتفع بخار الماء في السماء، حركت الرياح بخار الماء وجمعته في غيوم خفيفه، تجمعت الغيوم من كل مكان، ثقلت الغيوم، نزل المطر، اهتزت الارض وربت وغردت العصافير طربا وهرولت الدواب والناس فرحا، سالت المياه في الطرقات والسهول والوديان والانهر، تجمعت من جديد في البحار والبحيرات والسدود ولكنه لم يلاحظ.
تشققت الارض وانبتت من كل زوج بهيج، جذر وساق، حبة القمح لا تنبت الا قمحا وحبة العدس لا تنبت الى عدسا وبذرة البرتقال لا تنبت الا شجرة البرتقال وبذرة الزيتون لا تنبت الا شجرة الزيتون، متجاورات والماء واحد والارض واحده ولكن لكل مهمة وهدفا لا يحيد عنه ابدا، فرح الحراثون وابتهجوا بالرزق ولكنه لم يلاحظ
مبروك، طفل جميل مثل البدر، كان في بطن امه تسعة اشهر ياتيه رزقه دون جهد او تعب، حملته امه وهن على وهن وعندما ولدته ضمته الى صدرها وارضعته والبسته جميل الثياب وغمرته بعطفها وحنانها وسخرت حياتها لاجله، انصت الى من حوله وفتح عينيه وابتسم وتكلم، تهادى في خطواته الاولى برزت اسنانه واخذ يقطع الخبز وياكل، اشتد عوده ركض ولعب حتى صار رجلا، سعى واجتهد في معاشه، تزوج اصبحت له اسره مثل ابيه رزق بالولد ولكنه لم يلاحظ.
غابت الشمس وجاء الليل يلف المكان بالسواد، ضاعت الالوان وانمحت التفاصيل، وبعدها ظهر القمر وتلألأت النجوم في كبد السماء، تثاقل الكون وهدأت الاصوات وسكنت الكائنات، غلبه النعاس فنام، غاب عن الوجود ودخل في عالم الاحلام، تنفس الصبح بدد ظلام الليل، افاق اكل وشرب ذهب الى العمل ولكنه لم يلاحظ.
مرض ابوه العجوز، نقله الى المستشفى، يلزمه عمليه جراحيه عاجله، هكذا قال الطبيب، الوضع حرج هذه المره وهناك خطوره على حياته، نعم يا دكتور افعل اللازم وبسرعه، انتهت العمليه خرج الدكتور من غرفة العمليات، البقية بحياتك!! والدك اعطاك عمره … اتصالات مكثفه، اجراءات الدفن والعزاء … ولكنه لم يلاحظ.
كبر الاولاد، تزوجوا، اصبح جدا، انحنى ظهره واشتعل راسه شيبا، لم يعد هناك اسنان وتجعد الوجه واليدين وذهب بريق العينين داهمته الامراض من كل صوب وحدب ولم يلاحظ.
نعم عاش ثمانين عاما ولم يلاحظ انه ( عبد لله)
نعم اشرقت عليه الشمس وغابت 29200 مره ولم يلاحظ انها مسخره من (الله) لتمده بالضياء والدفء والحياه ولم يلاحظ ان (الله) هو الذي يحفظه منها ومن حرها ويبقيها في فلكها ومكانها ويسيطير على تفاعلاتها وانفجاراتها
” والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم”
نعم راى المطر وشرب الماء ثمانين عاما، اغتسل وغسل ثيابه وسقى زرعه ودوابه ولكنه لم يلاحظ رب المكان الرحمن الرحيم.
نعم راى النبات والشجر والحيوان وزرع وحصد واكل مما لذ وطاب من خيرات الارض ولكنه لم يلاحظ ولم ينتبه الى صاحب الدار الخلاق العليم.
نعم راى بعينيه الطفل الصغير وقد سخرت له اسباب الحياه من اكل وشرب وماوى ولباس رأه يتحول من الضعف الى القوه والشباب ومن القوه الى الضعف ومن ثم يموت ولكنه لم يلاحظ العزيز القدير.
” الله الذي اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيا وحعل لكم السمع والابصار والافئده قليلا ما تشكرون”
يا سبحان الله، وعجبا كيف يعيش الانسان ثمانين عاما او اكثر او اقل ولا يلاحظ وجود (الله) فاطر السموات والارض خالق كل شئ!!!!
كيف لم يرى (الله) في شروق الشمس وغروبها وتتابع الليل والنهار والرياح والسحاب والبرق والرعد ونزول المطر والزرع والموت والحياه….
“انها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”
اللهم اجعل في قلوبنا نورا وفي اسماعنا وابصارنا نورا اللهم اجعل من امامنا ومن خلفنا ومن فوقنا ومن تحتنا نورا، اللهم اجعل لنا نورا نمشى به في الناس
اللهم اشرح صدورنا للحق ولا تجعل للشيطان علينا سبيلا.